وقفة مع قصيدتين (لم انهمت بعد شيب... ) للقاضي مجخت كل و (يا عبرة صبها...) لتلميذه الشيخ أحمد بنب مباكي

وقفة مع قصيدتين  (لم انهمت بعد شيب... )  
للقاضي مجخت كل و (يا عبرة صبها...) لتلميذه الشيخ أحمد بنب مباكي

جو القصيدتين:
كان الشيخ أحمد بنب حريصا على طلب العلم مواظبا في تعلمه فقد مر على أيدي كثير من علماء عصره المشهورين ومن بين شيوخه الذين أخذ عنهم القاضي مجخت كل الشاعر الكبير العالم العلامة الذي أعطاه معاصروه قصب السبق في ذلك المجال، تلقى الشيخ عنه علم العروض حتى برع فيه كل البراعة حيث نال إعجاب أستاذه فكان يرسل إليه بين الحين والآخر قصائد للتصحيح.
فكان من مجرى ذلك أنه أصبحت تلك القصائد لا ترد إلى ناظمها ولما استفسر الشيخ ذلك عن أستاذه أخبره أن قصائده لم تعد تصلح  للتصحيح بل هي للحفظ، وكان من عادات الشيخ الفرار عن قرب السلاطين وبعض المجالس  لكنه ازداد انفراده بعد ذلك وانكبابه على الطاعات  ، فأخذ أستاذه القاضي مجخت كل يخال أن تليذه تخلى وانصرف عنه ناسيا المعروف بينهما فكان يتفقد عن أحواله برسائل شعرية ومن أشهر تلك الرسائل سينيته التي مطلعها:
مني لأحمد بنب التارك الناسي           *******             غير الإله فأمسى سيد الناس
فكان يتساءل كيف يستطيع تلميذه أن ينساه! وحاشاه ألا يفي بالعهد أو ينسي المعروف لكن العبادة والتخلي لمناجاة ربه أخذتا عنه الوقت.
وفي إحدى المرات أرسل المعلم إلى تلميذه قصيدة أبدع فيها حيث استعمل فيها أسلوب التعريض والكناية إذ كان يعاتب فيها تلميذه الشيخ احمد بنب على سبيل غزل بديع حيث وصف نفسه فيها بشيخ متقدم في السن تفر منه الغانيات الجميلات بعدما كن يقتربن منه كثيرا وقت الصبى والحداثة ويقصد بذلك حال الشيخ الخديم معه -حسب ظنه- ولم يكتف بذلك بل الأجمل في القصيدة أن قوافيها مأخوذة من اللغة المحلية (ولوف) في تراكيب مدهشة، غير أن تلميذه أعجب بالقصيدة في هذه المرة فكتب على ذلك المنوال قصيدة مضارعة لقصيدة أستاذه وزنا وقافية يبرر فيها عذره على عدم زيارته له ويعده أيضا بذلك بعد العيد،  وهتان القصيدتان محور دراستنا هنا ونصهما سيأتي لاحقا إن شاء الله في آخر الصفحة.
الرسالتان من حيث شكلهما الفني مسبوكتان في قالب بحر البسيط وهو من الأوزان الخليلية الكثيرة الاستعمال والقافية ميمية موصولة بهاء

قصيدة القاضي مجخت كل (ياعبرة صبها...)
إذا تتبعنا مضمون هذه القصيدة يمكننا أن نقسم أفكارها إلى ثلاثة محاور رئيسية:
الغزل: تذكار أيام الشباب مع الغانيات
 التحدث عن الشيب
التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم
ومع هذه الأفكار قد تتخيل أن ليس هناك عتاب الذي هو الغرض من القصيدة لكنه أني بطريقة غير مباشرة وستلاحظه مع الفكرة الأولى 
الشرح
جرى القاضي في مطلع قصيدته على عادة الشعراء القدامى حيث بدأها بالتغزل لكن النسيب هنأ ليس لتعزيز دافعية النظم بل هو خيال معنوي يشبهه بشئ واقعي إذ جعلة وسيلة لإبلاغ معنى العتاب بطريقة غير مباشرة مراعاة لشخصية الشيخ وعظمته
اختار (سعدى) اسما لمحبوبته التي عاش معها أيام الصبا فى محبة ومرح هو الآن قد تقادم عهده ولم تعد البنت تحبه ، أجهش العجوز في البكاء  لما سمعت أذناه من فمها كلمات جارحة ، ومازال قلبه تفيض من حبها ، فأخذ يلاحظ أن سعدى كسائر الغانيات فليس له في قلب أحداهن مثقال ذرة من الهوى لا يقبلن لمسه لا يردن على سؤآله لا يكلمنه ولا يلعبن معه...فكلهن يعتبرنه كأب وقد كن يخالطنه ويعشقنه حين كان في شبابه
أخذ يبحث عن أسباب هذه الجفوة فلم يرها إلا اشتعال الشيب في فوده الذي يخبر عن الكبر واقتراب الأجل وكما أن كل ضيف يستحق أن يكرم وعليه، فإنه عزم على أن يقري ضيفه هذا بترك الغانيات والإقبال على مدح الرسول محمد والتوسل به
هو الشفيع خير الأنام الذي لا يكفي الناس جميعا فداء لعشر شعرة منه فدونه كل الموجودات وهو فوق كل شئ غير خالقه عزوجل، صلى وسلم الله عليك أيها الشفيع الذي يرجو شفاعته أهل الكبائر أمثالي إنك مرجاي اسمع استغاثتي  بك وثنائي عليك
التعليق عليها
أول ما يلفت الأنظار في النص هو أنه كيف تمكن الناظم من إلقاء غرضه من دون أن يتعرض له من خلال الكلمات التي استعملها إننا نرى في ظاهر المنظومة تحدثه عن التغزل وليس من أغراض القصيدة ذاتها بل هو أسلوب غير مباشر إلى العتاب الذي يهدفه، تحدث عن معشوقته التي أصبحت تكرهه إذ شاب والمعنى المراد في الحقيقة اعراض تليذه عنه بعد تمكنه في العلم الذي كان يطلبه بعدما واظب طويلا في الحضور بين يديه ،وهذا ما يسمى في البلاغة بالتعريض وهو القول عن شئ دون ذكره وربما أنه اتخذ ذلك إجلالا لتلميذه الكريم 
وعلاوة على ذلك أنه ابتدأ القصيدة باستفهام تعجبي تشويقا إلى مطالعتها وهذا ما يسمى ببراعة الاستهلال وقد أحسن التنقل أيضا بين الأفكار المسمى بحسن التخلص وبعض المحسنات البديعة كالطباق في دنوت نأت والجناس في وخطا خطأ مما زاد النظم رونقا وجمالا إلى غير ذلك مما يضيق ذكره
قصيدة تلميذه الشيخ أحمد بنب
يمكن تقسيمها أيضا إلى ثلاث أفكار
إهداء بال إستاذه
تحسين ظنه به
وعده بالزيارة
والغرض من هذه القصيدة طلب الاستعذار في مقابل السابقة حيث رد فيها الشيخ على توهمات أستاذه الخاطئة مع مبررات وجيهة طالب منه أن يقبل منه العذر بأسلوب مهذب الألفاظ مليئ بالاحترام والتقدير
الشرح
حل الناظم رحمه الله نفسه في مطلع قصيدته محل سعدى ، فأخذ يتراجع عما قاله في القصيدة المذكورة سلفا ،طلب من عبرات العجوز التي كانت تصبها كلماته الجارحة أن تكف عن البكاء ، إذ علمه أنه تخلى عن كل ما تفوه به وسيفتح صفحة جديدة للعيش معه فيعودان كما كانا يتبادلان المحبة ، ومن هنا توقف الشيخ عن أسلوب التعريض في القصيدة
ولتأكيد ذلك خاطب أستاذه وخليله مباشرة وطلب منه أن يحسن الظن به لأنه لم ينس العهد بينهما بل يحاول كل حين أن يزوره فأخبره أن الله يشهد أنه يعاني من أمراض ولولا ذلك لقام بزيارته كثيرا وسيأتي منزله إذا نال الصحة باطراد ، فوعده أخيراً بذلك بعد العيد 
التعليق عليها
أعجبني فيها أولا محاكاته طريقة الكناية والتعريص في مستهل نظمه حيث جعل نفسه في مكان سعدى متراجعا عما قاله في أدب واحترام ينجلي في تبديل مكان فعل الأمر بحرف التحريض في قوله هلا... كما استخدم كلمات موحية عن عاطفته ومكانة أستاذه عنده في نحو يا خل يا شيخ مما جعل النص مطابقا لمقتضى حاله
الموازنة بين القصيدتين
تختلف القصيدتان من حيث عدد الأبيات فنجد أن التي للقاضي على ضعف الأخيرة كما لأنه استرسل في الغزل والتوسل بالنبي بخلاف التي للشيخ فإنها اقتصرت في غرضها ولم تزد فيها شيئا وأوجز أيضا في التعريض وإن الإيجاز لمن البلاغة، وإذا نظرنا في دراسات التحرير الحديثة التي ترى أن الرسالة يجب أن تكون موضوعية خالية من الأحشاء  نقدم في هذه الناحية التلميذ على الأستاذ لأن هذا الأخير أتى بتوسلات تزيد على الهدف وأطنب في الغزل كما رأينا 

 ومن ناحية القافية الولوفية نرى أن للقاضي فضلا في ابتكارها لكنه تكلف في بعضها حتى ذهب إلى حذف التضعيف أو الشدة في بعضها كما في قوله إلى سكمه يبمه بتخفيف الكاف في الاولى الباء في الأخيرة،  إلى جانب تلميذه الذي يقلده لكن بطريقة أجود إذ خلا في قوافيه التكلف أو الحذف للضرورة ونقدم التلميذ أيضا هنا لأن صياغته أكثر إحكاما وإن كان مقلدا ، ومن ثم يتكشف أن قصيدة التلميذ أجمل
وهذا لا يكدر صفو قصيدة القاضي فهو معروف بالتمكن في الشعر وشهد له معاصروه بذلك غير أن الله فعل ما شاء فأنت قصيدة تلميذه فوق قصيدته وهذا فخر له فكل معلم مخلص يحب أن يكون تلميذه أكثر منه علما ولاسيما إن كان التلميذ نابها مثل أحمد بنب مباكي خديم الرسول
وبعد هذا الشوط من دراسة القصيدتين نرحب بالتوجيهات البناءة التي سيؤدي إلى تحسين هذا العمل، وكم يسرني ان يتطرق إلى دراستهما  باحث آخر بنوع أشمل 
نص قصيدة القاضي
لم انهمت بعد شيب عبرة وبمه         *****       أراقها كلمتا سعدى بمه و بمه
إذ كلمتني بتين الكلمتين بلا         *****         هزل ومزح بدا لى أنها بنمه
وإن حبل وصالي صار منصرما      *****      أو واهنا خلقا تجديده تنمه
ما لي أراني إن لامست غانية         *****        عصر الشباب تقبل أو تقل يبمه
واليوم إن لمست خودا يدي لعبا      *****         تأفقت ثم نادت يا أبي سرمه
وكل ناهدة الثديين تلحظني           *****          بعين سخط فتعلي صوتها فومه
وإن لهوت تلهت أو دنوت نأت       *****          وإن أسل فجواب عندها خممه
كم كاعب واعدتني زورة عشقا        *****         زمان شرخي ولما جئتها نخمه
ما قالت إذ كنت أملودا ككلمتها         *****         بهيم ليل سواد غادة منمه
لكن الشيب في فودي وجمجمتي        *****         وخطا وخطا فعذراء النسا نبمه
ألا ارعواء لمن ولت شبيتهه             *****        وآذنت بمشيئة معلم هرمه
وكل ضيف كريم القوم حق له            *****         قرى عليه وهذا شيبة كنمه
فأقره أن ترى  ما عشت شادي من       *****          هو الشفيع وكل قائل تنمه
من ذاته كل ذات لازمت عرضا         *****          في عشر شعرته لو تقتدى سفمه
من كل جرم عزيز قد يعمره            *****           عند الفراغ فداه والفدا ديمه
من دونه كل منطوق بحرف هجا        *****           في الاسم إلا إلها غيره سكمه
من دونه كل موجود له جهة             *****            من أي ست وربي إنني نرمه
محمد سيد السادات لا أحد               *****             منهم مدانية أو قائل كنمه
صلى عليه إله العرش ما رجيت        *****            شفاعة منه أو قول له ولمه
يامن شفاعته ترجى ويأملها           *****               أهل الكبائر أمثالي غدا تنمه
فإن جاهك عند الله منجعل             *****              هو العظيم وفي الأهوال فتلكمه
أهوال دنياي أو أهوال آخرتي         *****               أو برزخي ثم عن ذكراك ديتلمه
لا زلت أثنيك فتسمع ما أردده        *****              يا خير من يرتجيه مرتج ويمه
نص قصيدة تلميذه الشيخ احمد بنب
ياعبرة صبها قولي بمه وبمه         *****              هلا انكففت بقولي إنني مرمه
تكليمنا بهما لم يك يمنعنا              *****                بعيده من وصال لا تقل بنمه
تجديد حبل وصالي ليس ذا تعب       *****              إذ أنه اليوم وثقي لا تقل تنمه
يا خل يا شيخ طب نفسا وظن بنا        *****              خيرا كثيرا ولا تقل لنا بكمه
لأنني كل حين أبتغي أبدا                 *****               إتيان منزلكم لكنني ورمه
إن كنت تحسب أني فيك ذو كذب        *****                فالله يعلم حقا أنني فنمه
لو كان عندي جواد الخيل أركبه         *****                ركبته اليوم لكن كل ذي هممه
متى حباني رب العرش عافية            *****                زرناك يا خل فاعلم أنني ورمه
إني أزورك بعد العيد مسرعة         *****         فيا
حبيبا لسعدى إنني مرمه

https://drive.google.com/file/d/1qmEGdeiesLawYuyZdaJCmOtq2ViIrYnf/view?usp=drivesdk
Pdf للتحميل هو بصيغة  

رابط آخر
للتحميل

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة